شذرات من سيرة الصحابي سلمان الفارسي (رضي الله عنه)
Share |
2021-08-29
شذرات من سيرة الصحابي سلمان الفارسي (رضي الله عنه)

سلمان الفارسي، سابق الفرس إلى الإسلام، اسم يعبر عن رمزية الهوية الإسلامية أختار الله أن يكون مع صهيب الرومي، وبلال الحبشي(رضي الله عنهما) عالمية الإسلام في قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:١٠٧)، فإذا كان اقحاح قريش يصفون بلال الحبشي- بسيدنا - فإن سلمان يدرجه الرسول(صلى الله عليه وسلم) في آل بيت النبوة، وهكذا يحرق الإسلام نتن العنصرية والشعوبية ويوقفها عند التعارف ليس إلاّ،وهو ما وجدنا عليه المجتمع الإسلامي في عصر الرسالة، لا يلتفت إلاّ لما يقدمه الإنسان لمجتمعه من خير،وكان سلمان في طليعة من يقدم الخير حتى قرن باسمه، فعرف ب(سلمان الخير)،وكان أصله من بلاد فارس، من رامهرمز، وقيل: من أصبهان من قرية جي، واسمه قبل الإسلام مابه بن بوذخشان بن مورسلان ابن بهبوذان بن فيروز بن سهرك، من ولد آب الملك،  ولما سئل سلمان عن نسبه، قال مقولته المشهورة :" أنا سلمان ابن الإسلام"، وهناك أبيات شعر يقال أنها تنسب إليه:

أبي الإسلام لا أب لي سواه ......... إذا افتخروا ببكرٍ أو تميم

بدعوى الجاهلية لم أجبهم ........... ولا يدعوا بها غير الأثيم

دعي القوم ينصر مدّعيه ......... ليلحقه بذي الحسب الصميم

وفي قصة إسلامه ورد الكثير من الروايات والقصص،وملخصها قد كان سلمان الفارسي من عقلاء الرجال،وإسداؤهم ونبلاؤهم،وأحد المميزين في بلده فارس،وكان يعتنق المجوسية،ويعبد النار على دين أبيه،والذي كان سادات قومه،لكن سلمان لم يقتنع  يومياً بأن النار إله يعبد، فرغب عنها، وهرب يطلب الحقيقة ، تاركاً  بلده ومضحياً بماله، وملكه،  فرحل إلى الشام ودان بالنصرانية، والتقى هناك بعدة رهبان من النصارى  كل واحد منهم كان يوصيه بالذهاب إلى الأخر، وقرأ  كتبهم، وصبر في ذلك على المشقات، والمصاعب،والعيش الزهيد، وقد روي عنه أنه تداوله في ذلك بضعة عشر رباً،من رب إلى رب،وتابع سلمان سياحته في الأرض بحثاً عن الحق الالهي، وقابل أثناء ذلك أحد القساوسة، وكان رجلا صالحاً، طاعناً في السن، فأخبره بحسب ما جاء عندهم في التوراة أنه قد اقترب ظهور نبي آخر الزمان في بلاد العرب ، وعرفه له بوصفه وعلاماته، وبأنه سيضطر لترك وطنه أتياً إلى مدينة مشهورة بنخلها.

وهكذا تابع سلمان السفر باتجاه تلك المدينة ينشد ضالته، وفي طريقه إليها خدعه مجموعة من البدو ادعوا أنهم سيدلونه إلى طريق تلك المدينة، ولكنهم باعوه إلى يهودي،والذي بدوره باعه إلى يهودي آخر في المدينة، وبعد زمن قصير وصل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة مهاجراً من مكة، فلما سمع سلمان الفارسي بمقدمه، وما شاع من قصته،وصفاته، تبادر لذهنه ما علمه في التوراة من صفات،وعلامات النبي المخلص،والذي قد آمن به،وانتظر قدومه بلهفة، وكانت تنطبق على النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)، فعندما لقيه في بعض سكك المدينة ، ذهب يسجد له، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" يا سلمان، أتسجد لي؟ أرأيت لو مت أكنت ساجدا لغيري؟ قال: إنما أسجد للنور الذي خلقه الله بين عينيك،قال: فلا تسجد لي،واسجد للحي الذي لا يموت"، مما جعله ذلك يعجل باعتناق الإسلام أمامه النبي (صلى الله عليه وسلم) فأعانه (عليه الصلاة والسلام)، والصحابة (رضي الله عنهم) في عتقه وتحرره من الرق.

وهكذا بلغ سلمان الفارسي ضالته المنشودة عن الدين الحق،وصحب النبي(صلى الله عليه وسلم)،وخدمه وحدَّث عنه، وصار من أقرب الصحابة وأخلصهم، وقد آخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بينه وبين الصحابي أبي الدرداء، وكان أول مشاهده غزوة الخندق، والذي أشار فيها على الرسول(صلى الله عليه وسلم) أن يحفروا حول المدينة المنورة خندقا يحميهم من قريش، وكان لديه خبرة، ومعرفة بفنون الحرب والقتال عند الفرس، وقد شهد بقية المشاهد، وفتوح العراق، وولي المدائن في خلافة عمر بن الخطاب، ثم في خلافة عثمان بن عفان(رضي الله عنهما).

والمتتبع للروايات في كتب السيرة والتاريخ يجدها تكثر من بيان مناقبه (رضي الله عنه) وفضائله، وكيف لا، وقد كان من خيار الصحابة وفضلائهم، المقربين الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن المبرّزين في العلم ، فقد تميز  برجاحة العقل والفطنة والحكمة، حتى لقب بلقمان الحكيم.

روي عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: " كان لسلمان مجلس من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالليل، حتى كاد يغلبنا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)".

وحينما سئل علي (رضي الله عنه) عنه، قال:" ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم علم العلم الأول، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول، وقرأ الكتاب الآخر، وكان بحراً لا ينزف".

وروي عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: كنا جلوسا عند النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأنزلت عليه سورة الجمعة: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يده على سلمان، ثم قال:" لو كان الإيمان عند الثريا، لناله رجال-أو رجل-من هؤلاء".

وقد جاء في كتب السير والمغازي يوم الخندق قد احتج المهاجرون، والأنصار في سلمان (رضي الله عنه)، وكان رجلاً قوياً عارفا بحفر الخنادق، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: هو منا ونحن أحق به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "سلمان منا أهل البيت".

ومن مأثور اقواله (رضي الله عنه) وحكمه قوله :"  الناسُ ثلاثة سامعٌ فعاقلٌ، وسامعٌ فتاركٌ، وسامعٌ فعارفٌ، ومن الناس حاملُ داءٍ، ومنهم حاملُ شفاءٍ، ومن الناسِ من إذا ذكرت الله عنده أعانك وأحبَّ ذلك، وإن نسيت ذكرك، ومن الناس من إن ذكرت الله عنده لم يعنك، وإن نسيته لم يذكرك، فتواضع للهِ وتخشَّع، وخفِ اللَه يرفعك الله، وقل سلاماً للقريب، والبعيد، فإنَّ سلامَ الله لا ينالهُ الظالمون، فإنْ رزقك الله علماً فابتغ إليه؛ كي تعلم ممَّا علمك الله، فإنَّ مثل العالم الذي يعلم كمثل رجلٍ حامل سراجٍ على ظهرِ الطريق، فكلُّ من مرَّ يستضيء به، ويدعو له بالبركة والخير، وإنَّ مثلَ علمٍ لا يقال به كغنمٍ نائمٍ لا يأكلُ، ولا يشربُ، وإنَّ مثلَ حكمةٍ لا تخرجُ ككنزٍ لا ينفعُ".

وقد عرف سلمان (رضي الله عنه) في زمانه بالزاهد العابد، المعرض عن الدنيا، المتأسي بخلق القرآن، روى أبو نعيم في(أخبار أصبهان) أن رجلا اشترى علفاً لفرسه، فقال لسلمان:" يا فارسي تعال فاحمل، فحمله، وأتبعه فجعل الناس يسلمون على سلمان، فقال: من هذا؟ قالوا: سلمان الفارسي، فقال: والله ما عرفتك أعطني، فقال سلمان: لا، إنّي أحتسب بما صنعت خصالاً ثلاثاً، أما إحداهن: فإنّي ألقيت عني الكبر، وأما الثانية: فإنّي أعين أحداً من المسلمين على حاجته، وأما الثالثة: فلو لم تسخرني لسخرت من هو أضعف مني فوقيته بنفسي".

وروي عن الامام مالك (رحمه الله): " أنَّ سلمان الفارسي كان يستظل بالفيء حيث ما دار، ولم يكن له بيت، فقال له رجل: ألاَّ أبني لك بيتا تستظل به من الحر، وتسكن فيه من البرد؟ فقال له سلمان: نعم، فلما أدبر صاح به، فسأله سلمان: كيف تبنيه؟ فقال: أبنيه إن قمت فيه أصاب رأسك، وإن اضطجعت فيه أصاب رجلك، فقال سلمان: نعم.

وقد ذكر ابن الجوزي، وابن الأثير انه (رضي الله عنه) تزوج من امرأة من قبيلة كندة، وحين دخل عليها، قال: يا هذه أتطيعيني أم تعصيني؟ فقالت: بل أطيع، فمرني بما شئت، فقد نزلت منزلة المطاع، فقال: إن خليلي أبا القاسم (صلى الله عليه وسلم) أمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يقوم فيصلي، ويأمرها فتصلي خلفه، ويدعو ويأمرها أن تؤمن، ففعل وفعلت.

وفي وفاته روي عن الحسن البصري، انه قال:" لما احتضر سلمان بكى، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عهد إلينا عهداً، فتركنا ما عهد إلينا أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب، قال: ثم نظرنا فيما ترك، فإذا قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهما، أو بضعة وثلاثون درهما".

وقد دفن (رضي الله عنه) في المدائن، وأختلف في تأريخ وفاته على أقوال: فمنهم من قال: توفي في خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ومنهم من قال: توفي في خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، سنة(33ه) وقيل سنة(35ه)، ومنهم من قال: توفي في خلافة علي (رضي الله عنه) في سنة(36ه)، وقيل: سنة(37ه).  

 

بـقـلـم

أ.م.د. نضال علي حسين الرشيد

معاونة مدير القسم لشؤون الطالبات 

 

 

 

 
عدد المشاهدات : 451