مقالة بعنوان "العدالة في مجتمع منفصم قانونياً وأخلاقياً"
Share |
2022-01-15
مقالة بعنوان "العدالة في مجتمع منفصم قانونياً وأخلاقياً"

العدالة هي حق من حقوق أفراد المجتمع وواجباته في الوقت ذاته التي لا يمكن حرمان الأفراد منها ليقوم كل منهم بفرض عدالته الخاصة في البيئة التي يتواجد فيها، وهذا الحق لا يمكن انتزاعه تحت اي ذريعة سواء تحت غطاء القانون او المبادئ او الفضيلة والقيم العليا، لان الامر سينتهي إلى تعريض المجتمع إلى الفوضى وانعدام العدالة نفسها، والقانون هو التعبير العملي لمفهوم العدالة وان كان القانون القائم غير معبر عن العدالة فان الطريق إلى الاصلاح هو تغييره او تعديله او يطبق بالتوافق مع القيم الأخلاقية، لان العلاقة بين القانون والاخلاق وثيقة ومركبة، وقد ولد مفهوم القانون من رحم الاخلاق فلا يمكن ان يكون القانون غير اخلاقي او معاديا للعدالة، ولا غنى للمجتمع السليم عن الاخلاق والقانون معاً، وليس احدهما بديلا عن الاخر؛ لان كل منهما يهدف إلى وضع ضوابط على السلوك الاجتماعي للأفراد بهدف عدم تعريض حقوق ومشاعر الاخرين للإيذاء والاضرار.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل ان صعوبة تحقيق العدالة او ندرة وجودها يكمن في الاخلاق العامة أم في القانون الذي لا يجد احتراماً وتطبيقاً على أرض الواقع بشكل واضح وحازم؟

والجواب يكمن في ما نعيشه في واقعنا المعاصر من انفصام في النظم الأخلاقية عند تطبيق القانون والعكس صحيح، فظهر من يطبق القانون بلا أخلاق حيث نجد في كثير من الاحيان ما يقوم الموظف بتحويل القانون لغطاء يختبئ به من ممارساته المنحرفة اتجاه الغير ويتوارى خلف ثغرات القانون لكي لا يتعرض للمسائلة عن أعماله المنحرفة كالتصرف بعدوانية في تطبيق القانون، فضلاً عن المزاجية في التطبيق وكثرة الاستثناءات، مما أصبح راسخ في الاذهان ان الموقع السلطوي والاقتصادي والاجتماعي اقوى من القانون واصبح الجميع يمارس حياته وكانه يعيش في مرحلة المجتمع لا الدولة، مما انعكس على تصرفات المجتمع غير السوية، وسوء واقع تصرفات الناس تجاه بعضهم البعض واصبح المجتمع غارق بالفوضى واللامبالاة او من يدعي الفضيلة والاخلاق ويخرج عن القانون، وكل ذلك بسبب المتغيرات الكثيرة التي تتداخل معها ازمات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، أدى إلى اخلال موازين التعامل المهني وظهور ازمه أخلاقية في تطبيق القانون وكثرة المخالفات والتجاوزات بوعي او من دون وعي من قبل الرؤساء والمرؤوسين.

لذا أضحى من الضروري وجود ميثاق أخلاقي ينظم سلوك العاملين في اي وظيفة او مهنة، وان تكون هنالك مصفوفة من القيم والقواعد في التعامل مع الافراد بعدالة ونزاهة ومراعاة حقوقهم واحتياجاتهم، وان يكون الاحتكام إلى المبادئ الاخلاقية هو الاساس عند اتخاذ القرارات وتطبيق القانون، حتى يكون العمل بفاعلية ويكسب ثقة الجمهور وتحقيق العادلة في معاملة الافراد الذي بدوره سوف ينعكس على ثقافة المجتمع وتصرفاته في مجالات الحياة كافة وترسيخ الشعور بالمسؤولية تجاه انفسهم وغيرهم وتجاه بلدهم، وان يترسخ لدى من يطبق القانون انه اذا استطاع التهرب من الجزاء المادي من جانب السلطة الادارية عند اساءة استخدام السلطة فان مخالفة القواعد الاخلاقية يؤدي إلى جزاء معنوي في شكل ازدراء المجتمع مع ما يترتب عليه من الشعور بالخزي والعار لدى الفاعل ازاء نفسه وفي مواجهة افراد المجتمع من الاسرة والقبيلة والاصدقاء والمعارف.

 

بقلم

م.م. محمد رعد تحسين

 

 

 
عدد المشاهدات : 429