وقف تنفيذ عقد العمل بسبب جائحة كورونا في القانون العراقي
Share |
2021-07-14
وقف تنفيذ عقد العمل بسبب جائحة كورونا في القانون العراقي

    " وقف تنفيذ عقد العمل بسبب جائحة كورونا في القانون العراقي "

 

شهد المجتمع تطورًا كبيرًا في جميع المجالات الحياتية، لا سّيما تلك التي تتعلّق بالناحية الاقتصادية ومن هنا كانت الحاجة إلى وجود قواعد قانونية تحكم هذا المجال الواسع والمتعدد الأوجه، وعليه سعى الجميع إلى وضع قوانين للعمل رغبة منهم في حماية حقوق العامل وصاحب العمل على حد سواء، و يعد عقد العمل من بين أهم الوسائل الفعّالة لحماية هذه الحقوق، وهو عقد من قبيل العقود الزمنية طويلة الآجل أو القصيرة ، وعليه فإن عقد العمل هو اتفاق بين طرفين يلتزم بمقتضاه الطرف الأول وهو العامل بالعمل لحساب الطرف الثاني وهو صاحب العمل وتحت إشرافه، وبموجب توجيهاته مقابل أجر محدد ولمدة محددة أو غير محددة، ولعل أهم ما يميز عقد العمل عن غيره من العقود القانونية الأخرى وجود العلاقة القانونية التبعية بين صاحب العمل والعامل, وأيضًا وجود ما يطلق عليه بالأجر الذي يدفعه صاحب العمل للعامل، لذلك وجب أن يكون العامل خاضعًا لرقابة وإشراف صاحب العمل ومقابل أجر محدد انطلاقا من مبدأ المحافظة على العقد ظهرت  فكرة توقف تنفيذ العقد ، وهذه الفكرة مستوحاة من النظام القانوني الانكلوسكسوني وهذه الفكرة تتضمن منح احد المتعاقدين ضمانة منحه مكنة وقف تنفيذ التزاماته العقدية اذا ما طرأت ظروف معينة لم تكن معلومة أثناء التعاقد يستحيل معها تنفيذ الالتزامات التعاقدية.

يعد وقف تنفيذ عقد العمل حالة مألوفة، ذلك لأن القانون بالذات توسع بالأخذ به لاعتبارات عملية كثيرة، كما أن لوقف العقد في نطاق قانون العمل خصائص مميزة تمتد الى شروط الوقف وآثاره: الشروط، لم يعد وقف العقد يرتبط بالاستحالة وإنما أمتد الى حالات لا ترتبط بالاستحالة. واما من حيث الاثار فان وقف العقد لا يوقف جميع اثاره بل بعضها وعلى ذلك فان مدة الوقف في الغالب تدخل ضمن المدة المقررة لاستحقاق الاقدمية والإجازات المأجورة. وقد يقرر القانون في العديد من الحالات استحقاق العامل اجره الكامل ، وفيما يتعلق بالتطبيقات القانونية لوقف عقد العمل, لابد ان نذكر بأن وقف العقد يتحقق لأحد السببين:

1-    الوقف الاتفاقي للعقد وذلك وفقاً لاتفاق الطرفين و غالباً يتم مراعاة لظروف أحد الطرفين, على سبيل المثال الإجازة بدون أجر أما.

2-    استحالة تنفيذ الالتزام مؤقتاً وهذه الحالات قد تكون راجعة للعامل وهي المرض وولادة العاملة والخدمة العسكرية وأداء الخدمات العامة والإضراب والالتزامات الاجتماعية والأسرية ، أما حين يكون سبب الاستحالة راجعاً الى صاحب العمل، فالتزام هذا الاخير لا يتعلق بشخصه وإنما يرتبط بذمته المالية لذلك يحمل صاحب العمل أحياناً عبء القوة القاهرة، لأن العوارض التي تصيب شخصه لا توقف العقد، في حين إذا أصيبت منشأته بعطل مؤقت لقوة قاهرة، فإن هذا يكون سبباً في وقف العقد.

 ومن الممكن أن نطرح الاسئلة التالية:

ماهي حالات وقف عقد العمل بسبب استحالة التنفيذ مؤقتاً؟ وهل يجوز لصاحب العمل ان يوقف عقد العمل؟  وهل يمكن أن يحدث ايقاف العمل من جانب العامل؟

هذا ما سنحاول الاجابة عليه تباعاً في هذه الورقة البحثية من خلال بيان مفهوم وقف عقد العمل، والتطرق الى أسباب حصول هذا التوقف ومن ثم معرفة الآثار التي تترتب على هذا التوقف.

مفهوم وقف عقد العمل

  يمكن تعريف وقف عقد العمل على أنه عبارة عن منظومة قانونية تتيح لطرفي عقد العمل وقف تنفيذ جميع الالتزامات الناشئة عن هذا العقد، دون أن تكون هنالك أية مسؤولية عقدية بسبب هذا التوقف، وهذا التوقف الذي صدر عن أحد الأطراف في عقد العمل لا يعطي الحق للطرف الآخر بالمطالبة بإنهاء العقد أو فسخه أو المطالبة بالتنفيذ العيني له، وعليه فهو وقف مؤقت للرابطة العقدية الناشئة عن عقد العمل، لأسباب قد تعود إلى العامل نفسه، أو لصاحب العمل أو قد تكون بسبب حادث مفاجئ لا دخل لطرفي العقد فيه.

    ومن خلال تعريف وقف عقد العمل يتبن لنا أن الالتزامات المترتبة على العقد سوف تتوقف بشكل مؤقت، كما أنه يؤدي إلى عدم تنفيذها بشكل كلي أو جزئي، مع بقاء الرابطة التعاقدية التي نشأت منذ بداية التعاقد قائمة دون إنهاء أو فسخ، بل على العكس من ذلك يمكن استئناف تنفيذ العقد بعد زوال الأسباب التي أدت إلى الوقف، مع ملاحظة أن القانون يلزم صاحب العمل في أغلب الأحيان بدفع ما ترتب بذمته من المستحقات المالية للعامل، طيلة فترة التوقف، خاصة إذ كان التوقف لأسباب وظروف اضطرارية أو استثنائية حيث تتخذ طابع التوقيت لا الديمومة.

أسباب وقف عقد العمل :

 إن أسباب وقف عقد العمل متعددة، الا ان المشرع العراقي لم ينص صراحة على إعطاء الحق لصاحب العمل في حالة الظروف الطارئة أو القوة القاهرة إلى وقف العمل في المنشأة التابعة له، لمدة زمنية معينة واستئناف العمل بعد زوالها مرة ثانية وعودة الأمور إلى نصابها الطبيعي، وإنما نص في المادة (72) من قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015 على :

اولا : اذا توقف العمل كليا او جزئيا نتيجة ظروف استثنائية او قوة قاهرة فعلى صاحب العمل دفع اجور العمال عن فترة التوقف لغاية (30) ثلاثين يوما و لصاحب و لصاحب العمل تكليف العامل بعمل اخر مشابه او بعمل اضافي غير مدفوع الاجر كتعويض عن الوقت الضائع على ان لا يزيد العمل الاضافي غير المدفوع على (2) ساعتين في اليوم و (30) ثلاثين يوما في السنة .

ثانيا : اذا كان توقف العمل بسبب صاحب العمل فعليه دفع اجور العمال كاملة عن فترة التوقف و له تشغيل العامل بعمل اضافي مدفوع الاجر ضمن الحدود المنصوص عليها في البند (اولا) من هذه المادة. وهذا ما يبين لنا بان المشرع توقع حدوث ظروف عرضية ترافق تنفيذ العقد ربما تؤدي الى توقف تنفيذ عقد العمل لفترة زمنية معينة .

 الأسباب العائدة إلى العامل:

 إن من أسباب وقف عقد العمل حالات لأسباب تتعلّق بالعامل قد قررها المشرّع رغبة منه في حماية حقوق ومصلحة العامل نفسه كونه يمثل الطرف الأضعف في هذا العقد وجعله في مأمن من تعسّف صاحب العمل، وكذلك لضمان استمرار وديمومة عقد العمل وحالات وقف العمل بسبب العامل كثيرة، منها أصابته أثناء العمل أو مرضه أو إجازة الأمومة الممنوحة للمرأة العاملة، وهو ما نصت عليه المادة 87 من قانون العمل العراقي ، أو في حالة وقف عقد العمل بسبب إضراب العمال الجماعي المشروع أو وقف العمل بسبب الالتحاق بالزوج عندما ينتقل إلى عمل آخر خارج المحافظة أو المدينة التي يعمل فيها وهو ما نصت عليه المادة 163 .

الأسباب العائدة إلى صاحب العمل :

هنالك حالات كثيرة يقوم فيها صاحب العمل بوقف عقد العمل، منها رغبته في معاقبة العامل وكإجراء تأديبي له، وذلك لارتكابه مخالفة ما خلال تنفيذ عقد العمل، أو قد يعمد صاحب العمل إلى إغلاق المنشأة التابعة له، والتوقف عن العمل بصورة مؤقتة، أو قد يكون الإغلاق بصورة دائميه بسبب ظروف اقتصادية أو فنية تعود لصاحب العمل نفسه، مع ملاحظة إن المشرّع العراقي اشترط تحديد مدة العقوبة للعامل كونها جزاء تأديبي له جراء ارتكاب المخالفة ، كما وأعطى للعامل في ذات الوقت الحق في الدفاع عن نفسه، والاعتراض على مثل هكذا أمر أمام الجهات المختصة، وهذا ما نص عليه ذات القانون في المادة (138) .

 أسباب استثنائية :

في حالة استحالة تنفيذ عقد العمل لأسباب خارجية لا دخل فيها للعامل أو لصاحب العمل، أجيز لصاحب العمل وقف عقد العمل بصورة مؤقتة، وذلك لحين زوال هذه الأسباب الطارئة، حيث يتم في هذه الحالة تأجيل تنفيذ بنود عقد العمل لحين زوال تلك الأسباب التي أدت إلى وقفه، أما إذا ظلت تلك الأسباب قائمة لوقت طويل هذا من شأنه سيؤدّي إلى استحالة تنفيذ جميع الالتزامات الناشئة عن عقد العمل وبشكل قاطع، فلا يمكن في هذه الحالة الاعتماد على وقف عقد العمل، وإنما يتم اللجوء إلى فسخ العقد وبشكل نهائي.

قد تكون الأسباب متعلقة بالعامل نفسه ولكنها خارجة عن إرادته، مثل المرض المزمن أو المعدي أو اصابته جراء العمل أو تم اعتقاله لجرم ارتكبه أو استدعائه لأداء خدمة العلم كل تلك الظروف والأحوال تعود لأسباب خارجة عن إرادة العامل وتؤدّي في ذات الوقت إلى وقف العمل مؤقتًا، كما يمكن أن تكون الأسباب الطارئة عامة لا تتعلّق بأي منهما؛ مثل نشوب الحروب أو في حالة الكوارث الطبيعة كالفيضان أو الزلازل أو انتشار الأمراض أو الأوبئة كحالة انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 الذي عم جميع أنحاء الأرض، ففي هذه الحالة من الصعوبة بمكان على صاحب العمل العودة إلى العمل، إلا إذا زال هذا الظرف الاستثنائي تمامًا عندها يمكن استئناف عقد العمل الموقف والرجوع إلى العمل.

آثار وقف عقد العمل :

1- يؤدي الوقف الى عدم تنفيذ الالتزامات المتبادلة التي يفرضها العقد على طرفيه خلال مدة معينة .

2- يستمر الوقف طالما ظل سببه قائماً وبزوال سبب الوقف يستأنف العقد سريانه ويعود للنفاذ وترتيب آثاره من جديد بنفس شروطه دون تعديل .

3- يقتضي مبدأ حسن النية في تنفيذ العقد التزام أطراف العقد الموقوف بالمحافظة عليه والعمل على استبقاء الرابطة العقدية والتعاون في سبيل ازالة سبب الوقف تمهيداً لاستئناف تنفيذ العقد.

بـقـلم

م. م . محمد إبراهيم عبدالله القيسي

قسم شؤون الاقسام الداخلية 

  

 
عدد المشاهدات : 2133