مقالة بعنوان"استمرار انخفاض قيمة سعر صرف المحلي وتداعياته في موازنة 2022"
Share |
2021-12-09
مقالة بعنوان"استمرار انخفاض قيمة سعر صرف المحلي وتداعياته في موازنة 2022"

 

     أقدمت الحكومة العراقية على تخفيض قيمة العملة المحلية الدينار مقابل الدولار، إذ وصل سعر الصرف بحدود 1460 ديناراً لكل دولار تقريباً. أن تخفيض قيمة العملة ( (Devaluation يعني خفض سعر الصرف الرسمي (الدينار) لهذه العملة مقابل العملة الأجنبية (الدولار)، وهو عادة ما يكون خاضعا لسلطة الدولة بصورة مباشرة عكس تعويم او الانخفاض (Depreciation) الناتج عن عاملي العرض والطلب، والذي يتم دون تدخل مباشر من قبل الحكومة، لذلك لجأت الحكومة العراقية مؤخرا إلى قرار تخفيض عملتها في سبيل مواجهة العجز المالي الحاصل في موازناتها المتعاقبة، لأسباب كثيرة أهمها تداعيات جائحة كورونا بغية مواجهة العجز وإعادة التوازن بين حجم الإيرادات والمصروفات.

إنّ هدف قرار تخفيض سعر الصرف جاء للحد من شراء السلع والمنتجات المستوردة المقرونة بالعملات الأجنبية، وتشجيع الاقبال على شراء السلع والمنتجات الوطنية المرتبطة بالدينار العراقي، وذلك لانخفاض أسعارها قياسا بالسلع التي يتم تداولها بالدولار، الامر الذي سيؤدي الى زيادة الإيرادات النفطية وغير النفطية الناتجة عن حجم الصادرات الى الخارج قياسا بحجم الواردات القادمة من الخارج.

ورغم قوة المنطق الاقتصادي لهذه الحجة الا ان نجاح هذه السياسة في عام 2022 يتوقف على تطبيق حزمة من السياسات المطلوبة من الحكومة لتشجيع الاستثمار (محليا واجنبيا) في البلد، كتوفير مناخ وبيئة سياسية واقتصادية آمنة ومستقرة جاذبة وداعمة للاستثمار والقطاع الخاص وتجفيف حلقات الفساد والبيروقراطية، فضلا على توفير ما يعرف بالألة الانتاجية (تكنولوجيا ماليا وبشريا) لضمان تحقيق اهداف تخفيض قيمة سعر صرف الدينار ومنها تقليل العجز المالي.

وبناء على تحليل النتائج الاقتصادية لقرار التخفيض في موازنة 2021 فيجب العمل على الفقرات المبينة في ادناه عند الشروع بوضع موازنة 2022 وهي:

1-    بلغ العجز الحاصل في موازنة 2020 أكثر من (27) ترليون ونصف على أساس سعر صرف (1182) للدولار الواحد، في حين ارتفع العجز في 2021 ليصبح (28) ترليون ونصف عند اعتماد سعر صرف (1450) دينار للدولار الواحد، ومن المتوقع ان يضاف لهذا العجز حوالي تريليونا واحدا في 2022، إذا ما تم الاستمرار باعتماد السياسة الاقتصادية الحالية والمسببة للانكماش الحالي.

2-    أن ارتفاع قيمة الدولار امام الدينار في بلد كالعراق، الذي يعتمد بشكل شبه كلي على مختلف انواع السلع والخدمات المستوردة لتلبية الطلب المحلي، سيتسبب بزيادة ما يعرف بالتضخم اللولبي وتأثيره المباشر على الطبقات المتوسطة والفقيرة، بسبب الانخفاض الحاد في القوة الشرائية لهذه الطبقات، تزامنا مع غياب الرقابة الحكومية على التجار والموردين لهذه السلع المستوردة الى الاسواق المحلية.

3-    بلغ احتياطي البنك المركزي من الدولار زيادة بنسبة 14% مقارنة بعام 2020 أي أكثر من (62 مليار دولار) والذي يقع ضمن المساحة الآمنة، وبتالي كان بإمكان الحكومة اعتماد سياسة الاقتراض الداخلي بشكل اوسع فضلا عن الاستثمار الامثل لمبيعات الدولار الذي يحدث بين البنك المركزي والقطاع الخاص بعد ان يكون تحت سيطرة وزارة المالية، وذلك لتقليل الفجوة الاقتصادية الناتجة عن انخفاض الايراد النفطي منذ بداية جائحة كورونا.

4-    سياسة خفض قيمة الدينار بغية تعزيز المنتج الوطني ودعمه لمنافسة المنتجات الاخرى لم تجدِ نفعا كما هو مقرر من الناحية الاقتصادية، وذلك يأتي لعوامل عدة، أهمها: افتقار البلد الى طاقات انتاجية مرنة تكنلوجيا وماديا، تمكن القطاعين الخاص والعام من انتاج سلع وطنية ذات سعر وجودة قادرة على منافسة سلع اخرى مستوردة ذات نفس الجودة.

5-    اغلب التعاملات في السوق المحلي العراقي أصبحت مقترنة بالدولار وليس بالدينار كتجارة السيارات والأجهزة الكهربائية والالكترونية والعقار وهذا يمكن اعتباره مضاربة سلبية على الدينار للمحافظة على القيم الحقيقية لتلك الأصول من قبل مالكيها، أي ان علميات بيع وشراء تلك الأصول يتم بالدولار، ويكون مطمئنا أكثر من الدينار العراقي.

 وبصريح العبارة فأن ما تم عرضه بالنقاط أعلاه قد تحقق فعليا خلال عام 2020 سيما وتأثر انخفاض قيمة الدخول الشهرية الواردة للطبقات المتوسطة والفقيرة وتحملهم عبء اقتصاديا بما يقارب 22% عما كان عليه قبل قرار تغيير سعر الصرف، مع ثبات معدل النفقات الشهرية، اي زيادة في المبالغ المصروفة للحصول على السلع كالأدوية والمواد الغذائية والخدمات اللازمة بنسبة 22% وهو ما يعرف بالتضخم الضريبي، فضلا عن الانكماش الذي سببه تغيير سعر الصرف بقطاع البناء والإنشاءات لارتفاع أسعار المواد الانشائية بنفس النسبة اعلاه وهو ما تسبب بتعطيل قطاع مهم لألاف من الايدي العاملة بمختلف المهارات، الامر الذي ادى الى انخفاض واضح في حجم الناتج المحلي، وذلك لانخفاض القوة الشرائية للدينار بالتزامن مع محدودية دخول هذه الفئات.

خلاصة القول، إن لهدف من قرار تخفيض سعر الصرف هو توفير الأموال لتمويل العجز الكبير الحاصل في موازنة 2021 والذي فاق 27 تريليونا من خلال رفع القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية، واجراء إصلاحات اقتصادية يرافقه ارتفاع مستوى إيرادات تصدير النفط فضلا عما تضمنته موازنة 2021 من قرار تخفيض الرواتب وتحجيم النفقات الاستثمارية.

ولنجاح البرنامج الحكومي المراد منه انتعاش الاقتصاد العراقي في موازنة 2022، لابد من السيطرة على مستوى النفقات والرقابة الحقيقية لمتابعة ما انفق على المشاريع مع ما تم إنجازه لتحديد أسباب الانحرافات وسبل معالجتها، وكذلك السيطرة على حلقات الفساد الإداري والمالي والبيروقراطية، فضلا عن توفير بيئة آمنه لتشجيع الاستثمار ومتابعة التجار والموردين  للسلع المستوردة، وتحريك عجلة الايرادات غير النفطية شبه الراكدة على اعتبار ان النفط يشكل اكثر من 96% من ايرادات الدولة مع امكانية الاعتماد على الاقتراض الداخلي والسيطرة على المنافذ الحدودية تجنبا لاتساع فجوة العجز الذي من المتوقع ان يرتفع في 2022 ليصل عتبة 30 ترليون دينار بسبب الوضع السياسي الراهن كالأزمة المتوقعة لتشكيل الحكومة الجديدة وتأثيرها على الاستقرار الامني والاقتصادي للبلد الذي يتسم بقدرته البطيئة على التكييف والانتقال من مرحلة الانكماش  الى الانتعاش.

 

م.م أحمد فاضل صالح

قسم شؤون الأقسام الداخلية

 

 
عدد المشاهدات : 981